سواء كانت هذه أسوأ انتخابات جرت في الوسط الصحفي كما يراها بعضهم .. أو أنها كانت غير ذلك .. فإن الصحفيين خرجوا منها بدروس مستفادة.. أولها أن الدولة على النقيض تماما من خيارات الصحفيين ورغباتهم .. فإن رغبوا بزيد وضعت كل ثقلها خلف عبيد.. من أجل أن يسقطه ويزيحه من طريقها.. وكأن وجوده يسد عنها الهواء والماء معا! في ٢٠٢٣ قررت الدولة أن ترشح صحفيا من مؤسسة الاخبار هو الزميل خالد ميري .. وبدأ واضحا أنها أعدت لكي ينجح، حشدت له أيما حشد .. فكان أن عاقبه الصحفيون بالتصويت الجماعي لمنافسه خالد البلشي. وسقطت الدولة وخالد ميري في انتخابات نقابة الصحفيين .. ومع هذا لم تعِ الدرس . وجربت نفس الأخطاء .. بوضع ثقتها كلها في عبد المحسن سلامه، وياللمفارقات العجيبة أنها هي من حرمته ترشيح نفسه.. ومنعته من دخول إنتخابات ٢٠٢٣.. وفضلت عليه خالد ميري! الأغرب أنها رضيت عنه في ٢٠٢٥ وتركت له الحبل على الغارب.. ليحاول إسقاط خالد البلشي.. وكان قد امضي العامين الماضيين من فترته كنقيب بنجاح باهر .. فلم يحدث صدام بين النقابة والدولة .. ولم يرتفع سقف المعارضة بقدر يحرج الحكومة أو الرئاسة .. ولم ينخفض سقف التأييد إلى حد تعتبر الدولة نفسها مع النقابة في حالة صدام . . فلا تزيد مثلا قيمة البدل (الرئيس بنفسه اعلن زيادته للصحفيين بمبلغ ٣٠٠ج) أو ترفض منحها شققا سكنية لأعضائها (خصصت لهم حوالي ٣٠٠ شقة أعلنت عنها النقابة) وزادت مخصصات منظومة العلاج .. ومولت الدولة أنشطة ومؤتمرات الصحفيين بنحو ٢٠ مليون جنيه. كل هذا يؤكد أن التعاون بين النقابة ونقيبها خالد البلشي وبين الدولة - وتمثلها الحكومة - سار كأفضل ما يكون!! لكن الذي لم يسر على أفضل ما يكون هو هذه الرغبة التصادمية التي أبداها جناح في الدولة أراد تحويل البوصلة وجهة أخرى. فرفض منح البلشي فرصة ثانية أو استمرار التعامل معه .. بل قرر نقل العطاء كليا إلى عبد المحسن سلامة! لم يكن هناك ما يبرر ذلك .. فعبد المحسن ليس خيارا أفضل في أي حال من الأحوال! حتي خيار شمشون الذي يراد الحصول عليه بمجيء عبد المحسن نقيبا .. لم يكن هو الأنسب لتحقيقه .. ليس لنقص في مهاراته وانما لطريقة إدارته لنقابة الصحفيين في تجربته الأولى كنقيب.. فقد لعبت ضده حتي أسقطه قبل أن يخوض معركته! القضاء علي نقابة الصحفيين وتفريغ قانونها من مواد قوته كان هو الهدف.. والدليل هذا البند المهم الذي حرصت النقابة علي إشراك الجمعية العمومية لنقابة الصحفيين في ارسائه وتحقيقه بقوتها وحضورها التام .. أن يكون بمثابة بند واضح وقرار نهائي .. بل وحائط صد منيع ضد أي محاولة لكسره أو الالتفاف عليه .. حيث صوتت الجمعية العمومية .. بالإجماع ضد أي تعديل يجري على قانون النقابة دون أن توافق عليه الجمعية العمومية.
مازالت النقابة تحرص على استقلالها التام.. ولا تنبطح ولا تأتمر بأمر الحكومة في أي قرار من قراراتها.. ولهذا فإن بعض الصحفيين من تيار الاستقلال وتيارات اخري أكثر اهتماماً بحريات وحقوق الصحفيين استماتوا في الدفاع عن النقابة في السنوات الماضية وحتي في هذه الانتخابات خوفا على النقابة من مصير مدمر.
المهم أن الزميل عبد المحسن سلامة رئيس مجلس إدارة الأهرام السابق ترشح نقيبا هذه الدورة. ولا ندري لماذا اعتبر المسألة نزهة .. وأنها - الانتخابات - في جيبه! خاض عبد المحسن الإنتخابات بعقلية الحزب الوطني المنحل (الحزن الوثني كما يتندر الناس عليه) فراح يعلن أنه نقيب قوي وأن قوة النقابة من قوة نقيبها. في غمز ساخر واتهام صريح لمنافسه خالد البلشي بأنه نقيب ضعيف! راكم سلامة في هذا الاتجاه مرارا وتكرارا. . وبات يكرره ويكرره أنصاره حتي صدقوا كذبتهم !
- رغم الخبرة الطويلة بأساليب الانتخابات إلا أن سلامة بدا هذه المرة وكأنه لم يتعلم الدرس .. لقد استمات في محاولته أن يضع مؤسسة الاهرام العريقة في مواجهة النقابة!! فإذا كانت النقابة عند تيار الإستقلال هي بيت الصحفيين الجامع .. فلتكن مؤسسة الأهرام هي "بيتنا الكبير"! قال هذا عبد المحسن .. ودعمه رؤساء تحرير بالاهرام ورئيس مجلس إدارة وإعلاميون معروفون. من بينهم احمد موسي وخيري رمضان وغيرهما ! وكتبت هذا الكلام نقلا عنهم جميعا مواقع إلكترونية عديدة . هكذا أراد أن يصورها معركة بينه وبين خصوم الاهرام .. منذ أن تلقفت حملته سطرا كتبه أحد الزملاء تحدث فيه عن ما أسماه "القوات المحمولة جوا"! وأثرها في نجاح النقيب. إذ كيف يتفوه أحد بكلام مثل هذا، قد يبدو وكانه خوض في شرف قدس الأقداس!
ايها الزملاء هل أدلكم على طريق ومسار القوات المحمولة جوا؟!
ببساطة أن قيادات مصر للطيران ومكاتبها موجودة ويمكن تقصي كل المعلومات منها !
كانت هناك تعليمات لمكاتب مصر للطيران في الدول العربية وغير العربية آلتي يوجد بها صحافيون نقابيون يعملون في صحف ..بإصدار تذاكر ذهاب وعودة لهم أثناء إجراء الانتخابات التي يخوضها الأستاذ إبراهيم نافع ! كان مدير تنشيط المبيعات في الكويت في تلك الأثناء الكاتب الساخر أسامة غريب .. وكانت مديرة مكتب االبيع السيدة اميرة المحلاوي.. ولو سئلا عن كم التذاكر التي اشترتها الاهرام للصحفيين النقابيين فلن يمتنع اي منهما عن ذكر ما لديه من معلومات . فهي ليست أسرارا. سيقولون المعلومات التي حاول عبد المحسن أن يستخدمها لإثبات أن هناك عداء بين تيار من الصحفيين وبين الأهرام ورموزه وخاصة ابراهيم نافع . رغم أن الاحترام و التقدير كان قائما مع هذه المؤسسة العريقة. وأما الخصومة ففي ذهنه وحده. واراد أن يستخدمها ضد خصومه. وتجلى هذا في استمرار شحذه للهمم الأهرامية. فجاء كثيرون من أعمالهم الأخري مدفوعين بالرغبة التي أبداها في أن "الأهرام يكون أو لا يكون" !
هنا ضجت كتابات الصحفيين بالغليان جراء هذا التقزيم المستحيل لبيت الصحفيين الجامع. والذي لن يضيف للأهرام أو يخصم من رصيده. وإنما كان له مردوده على الصحفيين، فمنهم من بات" يلبد له في الدره" لكي يبرز أخطاءه .. ومنهم من كان تعرض للأذي.. فخرجت كتابته مريرة حزينة تكشف سوء معاملة عبدالمحسن لزملائه وكيف قطع عنهم مستحقاتهم وهم علي أعتاب المعاش.. تاركا إياهم في الطل بلا سند ولا مأوى ! (يتبع)
-------------------------
بقلم: محمود الشربيني